مقدمة
لم تكن الخيول العربية أفضل الخيول في العالم مصادفة، ولم يكن الجواد العربي الأصيل أثمن الجياد مصادفة أيضاً، إن ذلك يعود إلى مئات من السنين قضاها العرب يعتنون بخيولهم أشد الإعتناء، ويهتمون بها اهتمامهم بأنفسهم وبعيالهم، فنتج عن أيديهم أفضل سلالات العالم من الخيول، وأصبح الحصان يتضاعف ثمنه عندما ينعت بأنه عربي.
كان الحصان في العصر الجاهلي، رفيق العربي في حربه، وصيده، وتنقله من مكان لآخر، فعليه يحارب الأعداء، وينجو بنفسه إذا لم يكن الإنتصار في المعارك حليفه، وبه يغزو الأعداء ويسبي، ويشن الغارات، وبه يصيد الوحوش والحيوانات، وبه أيضاَ يسابق ويلهو، وعليه أخيراً لا آخراً يتنقل من مكان إلى آخر وسط الفيافي الشاسعة.
ولم يكن الحصان بالنسبة للعربي في العصر الجاهلي مجلبة للمنافع ومدرأة للأخطار وحسب، بل كان له نعم الرفيق والمؤنس في الفيافي الشاسعة، وكم من مرة ارتبطت حياة كل منهما بحياة الآخر، فوجدا في معارك أو صحار يموتان فيها معاً أو يعيشان سوية.
من أجل هذا وغيره احتفل العربي بالحصان أيما احتفال، واعتنى به عناية فوق ما يحسب المرء، واهتم به اهتماماً لا نظير له عند سائر الشعوب. وكان من مظاهر هذا كله أن العرب كانوا يتسابقون إلى اقتناء الجياد العتيقة التي هي المال عندهم، لاغيرها أو قُل هي أحسن المال وأثمنه. قال اسماعيل بن عجلان:
ولا مال إلا الخيـل عندي أعده وإن كنت من حمر الدنانيـر موسـرا
أقاسمها مالـي وأطعـم فضلها عيالي وأرجـو أن أعــان وأوجــرا
إذا لـم يكن عندي جواد رأيتني ولو كان عندي كنز قــارون مـعسـرا
وعندما جاء الإسلام برسالته إلى الناس جميعاً والعرب خاصة، أدرك النبي العربي محمد بثبات بصره، وحكمة بصيرته، ما للخيل من أهمية بالغة من نشر الدين الحنيف، ومقاتلة المشركين أعداء الله، وأن الفرسان هم الذين يربحون المعارك لا المشاة، وأن القوم الذين يمتلكون العدد الأكبر من الخيول هم الذين ينتزعون النصر في المعارك، ولذلك حض كثيراً على ارتباط الخيل في سبيل الله " من كثرت سيئاته، وقلت حسناته، فليرتبط فرساً في سبيل الله، ومن ارتبط خيلاً في سبيل الله، كان كمن نصر موسى وهارون وقاتل فرعون وهامان".
وبعد الرسول ظلت كلمته المشهورة : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، شعار المسلمين فاقتنوا الخيول، وتفاخروا بها، وبأنسابها، فتسابق الأمراء والخلفاء إلى اقتناء أكبر عدد منها، وتزويد جيوشهم بها لما لها من فعالية حاسمة في المعارك. ثم ما لبث أن نهض الكتاب يكتبون في أنسابها وصفاتها ومميزاتها وفي مختلف الشؤون المتعلقة بها، وظهرت الكتب في هذا الموضوع، منها: "أنساب الخيل" لابن الكلبي، وكتاب "أسماء الخيل" لابن الأعرابي، وكتاب "كتاب الخيل" لأصمعي.
وفي أوج النهضة العربية في العصر العباسي، وإقبال العرب على العلوم، بمختلف مناحيها، لم يترك العرب جيادهم مع اقبالهم على الكتب، بل جمعوا هذه وتلك، ولسان حال العلماء والشعراء والمثقفين يردد مع المتنبي:
أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب
وفي العصور التي تلت العصر العباسي ظل للجواد مكانته المرموقة، وخاصة في الحروب، وما أكثرها بين العرب والفرنجة من جهة، وبين العرب فيما بينهم من جهة أخرى. كذلك ظل البدو يعتنون بجيادهم كما كان أسلافهم يعتنون بها.
أما في العصر الحديث، ومع غزو الحضارة بكل تقنياتها وآلاتها المتطورة للبلدان العربية، فقد شهدنا، مع الأسف تراجعاً ملحوظاً في تربية الخيل والإعتناء بها، وحلت السيارات مكانها في التنقل والألعاب الرياضية المختلفة مكان ألعاب الفروسية، واقتصر الإهتمام بها على نفر من الفرسان، والأمراء والذين يرغبون في العودة إلى الجذور حيث الأصالة والفروسية بكل ما فيها من شهامة ومروءة.
وما إعدادنا لهذه الصفحات سوى عودة إلى الأصالة، وعودة إلى تراثنا العربي الشرقي المليئ بالفروسية، والبطولة، والشهامة. وغايتنا الأهم هي لفت الإنتباه إلى الحصان العربي الأصيل، وإلى مكانته في تراثنا العربي، وأهميته حتى في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه.
* تم الإستعانة لعمل هذه الصفحات بالكتب التالية:
- الحصان، للمهندس/ قبلان غلوب.
- الحصان العربي الأصيل، للمهندس/ قبلان غلوب.
- مجلة العاديات ن بأعدادها المختلفة.